الأحد، 14 يونيو 2015

الصناديق الخاصة مقبرة الأموال العامة



183251_102663179814579_3533224_n

الصناديق الخاصة مقبرة الأموال العامة

وكالة أنباء البرقية التونسية الدولية 

بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري .المحامي

183251_102663179814579_3533224_n

نشأت الصناديق الخاصة أو الحسابات الخاصة بشكل منهجي ومدروس في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات .. بموجب قانون الموازنة رقم 53 لسنة 1973 م والذي نصت المادة رقم 3 منه على أن ” تشمل الموازنة العامة كافة إيرادات ومصروفات الدولة ” لكن المادة 20 من نفس القانون أعطت لرئيس الجمهورية الحق في إنشاء صناديق خاصة لها إيرادات محددة لاستخدامات معينة وبناء عليه يعتبر الصندوق الخاص بموجب هذا القانون موازنة مستقلة بذاتها بعيدا عن الموازنة العامة للدولة وبالتالي لا يخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات أو أية جهة رقابية أخرى من قبل الدولة اللهم باستثناء رقابة الجهة التابع لها الصندوق يعني الخصم هو الحكم !! . ثم توالت بعد ذلك القوانين التي تعطي الحق في إنشاء الصناديق الخاصة .. للوزراء ، ومديري الهيئات والإدارات في كافة المصالح الحكومية ، ومديري الجامعات ، والمحافظين ، ورؤساء المجالس المحلية في المحافظات ، والمراكز ، والقرى .. حيث بلغ عدد الصناديق الخاصة أكثر من 6500 صندوق منتشرة في ربوع الدولة من أقصاها إلى أقصاها في جميع الأجهزة الحكومية .. الأمر الذي جعل الفساد يصل في الدولة ” إلى الركب ” حسب تعبير أحد رؤوس الفساد الكبار في عهد الرئيس الأسبق المخلوع . السبب المعلن لإنشاء هذه الصناديق – التي ليس لها مثيل في العالم كله – هو تفادي التعقيد ، وتحطيم الروتين ، وتسهيل الإجراءات ، تماشيا مع سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي التي سادت في ذلك العصر من أجل الإنفاق على المرافق والخدمات العامة الداخلة في اختصاص الإدارة التابع لها الصندوق .. دون الحاجة إلى انتظار الحصة المقررة لها من ميزانية الدولة ، أو التقيد بالإجراءات الروتينية الطويلة ، أو الالتزام بالشروط العديدة التي ينص عليها قانون الموازنة لكن الهدف الحقيقي من وراء إنشاء هذه الصناديق هو توزيع أرصدتها من باب الترضية على سدنة النظام وحراسه من قادة وكبار الموظفين الذين يمسكون بزمام الدولة العميقة ، وكانوا ومازالوا يعملون في خدمة النظام على حساب الشعب والدولة فتحولت الصناديق الخاصة إلى مقبرة للأموال العامة وبدلا من أن تنفق أرصدتها على المرافق العامة أصبحت وسيلة لنهب المال العام ، وأصبح الفساد يمشي على أرض المحروسة برجلين اثنتين إحداهما الصناديق الخاصة ، والأخرى أملاك الدولة . أما موارد هذه الصناديق فهي بكل المقاييس صادمة لكل مواطن مصري غيور على بلده .. إذ تبدأ بالرسوم الدراسية بالمدارس ، والمعاهد ، والكليات ، ورسوم شهادات البيانات الخاصة بالسيارات ، وتذاكر الدخول للمستشفيات ، وتذاكر مواقف السيارات ، وأيضا رسوم الطرق السريعة ( الكارتة ) ، ورسوم رخص الهدم و البناء ، ورسوم النظافة ، ورسوم ترخيص أي عمل تجاري كالأسمدة ، والحديد ، والأسمنت وخلافه .. وغرامات التصالح في المباني ، ورسوم اللوحات المعدنية للسيارات ، ورسوم استغلال المحاجر ، والمصادرات والغرامات بكافة أشكالها ، وتنتهي بالدمغات بجميع أنواعها .. وباختصار شديد تعتبر موارد الصناديق الخاصة هي كل ما يدفعه المواطن المصري المطحون طوال حياته .. من مخالفات ، ورسوم ، وغرامات .. وما يدفعه لانجاز معاملاته وخدماته في كافة المصالح الحكومية من طوابع ودمغات .. ماعدا ما تقوم بتحصيله وزارة المالية من المواطنين – حيث يدخل مباشرة في خزينة الدولة – وهو إيرادات أملاك الدولة ، والجمارك ، والضرائب . من ابرز مساوئ الصناديق الخاصة التي رصدها الخبراء ارتفاع الأجور والمبالغة في الحوافز المقررة للقائمين عليها .. وعدم وجود قانون ملزم بالكشف عن أرصدتها ومصارفها .. وتعيين الأقارب ، والأصدقاء ، والمحاسيب على موازنتها .. وعدم خضوعها بأي شكل لأي جهاز رقابي في الدولة .. والإنفاق الهائل في غير الإغراض المخصص لها الصناديق الخاصة مثل الإعلانات ، والهدايا ، والحفلات لقادة وكبار الموظفين .. لكن من أكثر مساوئ هذه الصناديق تعقيدا ، وأكثرها تأكيدا على توحش الفساد المالي والإداري أن جميع محاولات الدولة بضم الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة ومن ثم إخضاعها للأجهزة الرقابية باءت بالفشل .. ذلك لأنها تواجه ممانعة كبيرة ، ومقاومة شديدة من قبل القائمين عليها ، وأصحاب المصالح في استمرارها تغرد خارج سرب الموازنة العامة للدولة حفاظا على مراكزهم ، وحماية لمصالحهم ، واستمرارا لنفوذهم ، وضمانا لتدفق المال الحرام إلى حساباتهم المنتفخة من دماء هذا الشعب الصبور عبر هذا الشريان الغامض المشبوه . لكن النكتة التي تجعلنا نضحك حتى يغمى علينا .. أن أرصدة الصناديق الخاصة التي بلغت حوالي 60 مليار جنيه .. لا يورد منها سوى 20 % فقط لوزارة المالية أما الـ 80 % فلا رقابة ، ولا ولاية للدولة عليها ، ولا دراية لها بها ، ولا سلطان لأحد كائن من كان عليها كما أسلفت ، ولا يعرف مصيرها إلا القائمون عليها حيث ينفقون هذه المبالغ الطائلة دون حسيب أو رقيب من قريب أو بعيد وهذا ليس له إلا معنا واحدا ألا وهو أن السرقة ، والنهب ، والسلب هو سيد الموقف في كافة العصور وجميع العهود .. وإن لم يكن الأمر كذلك فأرونا إذا أين تذهب أموال هذا الشعب الكادح المسحوق ؟ . أما المثير للدهشة ، والتعجب ، والاستغراب ويؤدي إلى البؤس ، واليأس ، والإحباط ويضع علامات استفهام لا أول لها ولا آخر أن هناك صناديق أخرى في كل الوزارات ، والهيئات ، والمحافظات .. تودع فيها المنح والتبرعات المقدمة من الدول الشقيقة ، والصديقة ، والمنظمات العالمية ، والهيئات الدولية ، في المناسبات ، والكوارث ، والأزمات لأغراض متعددة مثل المنح التي تقدم لإنشاء مشروع صناعي أو خدمي أو دعمه أو تطويره وكذلك التبرعات المادية والعينية التي تقدم لأبناء هذا الشعب الطيب الأصيل في الكوارث الطبيعية كالسيول والزلازل .. المثير في الأمر أن هذه الصناديق ( المهلبية ) ، لا تخضع أيضا لأية جهة رقابية ، في الدولة المصرية !! .



أضف تعليقاً


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق