- وكالة أنباء البرقية التونسية الدولية

بينما كانت أسواط الألم تمزق قلبي على حالنا ... سمعت همسات الأمل في أذني لتبدد الألم و تهمس لي ... أمسك القلم بأناملك واسطر كلماتك ولا تيأس ... وكالمعتاد وبمجرد أن انتهي من كتابة ذلك المقال سأضغط على أيقونة النشر وفي بضع ثواني سيظهر على صفحات الفيس حتماً أمام الملايين في مختلف أنحاء العالم في نفس الزمان والمكان ... ولكنها مجرد رسالة ستسري في يومنا هذا ... وقد يهملها البعض ويقرأها وينساها آخر ... وقد تسري ويتذكرها البعض لفترة وما إن تمر الأيام وتتوالى حتماً ستختفي ملامحها ويمحوها الزمان ربما بعد أيام أو سنوات من العقول ... أو ربما قبل تختفي شمس هذا اليوم ... وهناك أنامل مثل أناملي هذه أمسكت قلماً ذات يوماً أو فرشاة أو سكين نحت ... ولكن لم تكن داخل هذا الزمان ولكنها ربما منذ مئات وألاف السنين وسطرت ورسمت ونحتت ... وأرسلت رسائلها للعالم المحدود وقتها أيضاً ... ولكنها استمرت ولازالت تسري تلك الرسائل حتى يومنا وتتناقلها العقول بين ضفاف الكتب وتراها العيون محفوظة على جدران المعارض وفي ساحات المتاحف ..
فأنامل هوميروس خلقت الألياذة منذ ألاف السنين وسطرتها على جدران الزمان ... وهلكت انامله ولكن الألياذة ورسالته استمرت بعد رحيلة وحتى الآن ... وبنى المصريون القدماء بأيديهم الهالكة الأهرامات ليهلكوا ويتروكوها خالدة ... وانامل مايكل انجلو رسمت ونحتت وأيضاً هلكت ... فأين ذهب ابن حزم وابن رشد وابن سينا وغيرهم من المفكرين والأدباء والشعراء والفنانين ... الكل هلك وانتهى من الوجود ... ولكنهم خلقوا بأيديهم الهالكة ماهو خالداً وباقياً بعد هلاكهم ... فما هي القدرة والقوة الخفية التي تجعل الإنسان الضعيف والذي قدر الله سبحانه وتعالى زمناً محدوداً له في هذه الحياة أن يخلق بيديه ماهو خالداً بعد هلاكه ؟؟؟ ... ماهي الطاقة التي تجعل الهالك يخلق خالداً ويحقق لإسمه الخلود رغم هلاكه !!!
فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يسمو على نفسه ... يتحدى ضعفه ويحلق في الأفق ... تحدى الطبيعة وعوائقها فعبر الجبال واقتحم الفضاء وغاص في أعماق البحار ... ذلك هو المخلوق الضعيف الذي استطاع أن يخلق بيده الهالكة الخلود عبر السنين ... وسر قوته تكمن في قوة فكرة وطاقته ابداعه ... فالأبداع وقوة الفكر يمتزجان داخل الإنسان ليسكنا عقل الإنسان ليخلق بيده الهالكة كل ماهو خالداً ... فالإبداع السمة التي استمدها المخلوق من الخالق البديع ... وأعطاه العقل ليميزه عن سائر المخلوقات ... وكلفه بإعمار الأرض ... فلم تكن المهمة مستحيلة عليه فالعادل الخالق لايكلف نفساً إلا وسعها وماتستطيع القيام به ... فامتزجا بقدرته داخل الإنسان قوة الفكر وطاقة الإبداع ... فاستمرت الحياة وتقدمت ... وخلق الهالك ماهو خالداً ... ونحن الآن هالكون مثل من سبقونا لامحالة ولكن الأنامل والأيادي بدلاً من أن تخلق ماهو خالداً أصبحت تحفر قبور الفناء وتقطر الدماء ... ولم تترك إلا مجرد شاهد قبر لمن خلفها مكتوب عليه هنا يرقد الفكر والابداع ... فإذن أردت أيها الهالك أنت وأبنائك أن تخلقوا ماهو خالداً فعليكم بتنمية التفكير وتزكية الإبداع بداخلكم .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق